حديث من القلب بقلم محمد نصر

إن من أخطر ما قد يبتلى به إنسان أن يكون قلبه مريضا سقيما و يظن أنه في خير حال، فاعلم أنك يجب أن تتفقد قلبك و تراقبه ولا تغفل عنه، فإنك إن غفلت لم تنتبه من غفوتك إلا و قد نفذ إبليس و جنده إلى قلبك، فهم يتحينون الفرصة للنفوذ إليه و إيراد القبيح عليه.

و انظر إلى ذلك الرعيل الأول الذي كان يراقب نفسه و خطراته، فهذا حنظلة يتهم نفسه بالنفاق لأنه عندما يكون مع أهله لا يكون إيمانه على نفس الدرجة التي يكون عليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، و لا يهدأ له بالا حتى يطمئنه رسول الله صلى الله عليه و سلم.

وهكذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: [والله لوددت أنى شجرة تعضد ثم تؤكل]، وقال أبو بكر أيضاً: [لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها، ما أمنت حتى أضع الأخرى]، وقال ابن أبي مليكة : [أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى على نفسه النفاق] فهؤلاء الذين كانت قلوبهم بيضاء تزهر، متألقة بالنور، يخشون من المعاصي أن تدخل ولو قليلاً، فتفسد هذا الصفاء وهذا النور.

ثم تأت أنت يا مسكين و تظن أنك قد وضعت كلتا قدميك في الجنة، و أنت الذي قد أبطأ بك عملك، و اجترأت على الله بفعل المعاصي، إن هذا لشيء عجيب.

و ها أنت قد أدركت أنك مريض، فأقسمت عليك ألا تؤثر ألم المرض على مرارة الدواء، فدواءك مخالفة الهوى و هو أصعب شيء على النفس في أول الأمر، ثم بعد أن تنجح في ذلك الاختبار يحبب الله لك الطاعات، و تجد راحتك في القربات، ويقول ابن القيم رحمه الله في هذا المعنى: إنما يجد المشقة في ترك المألوف والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها صادقا مخلصا من قلبه لله، فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة ليمتحن أصادق هو في تركها أو كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلا استحالت لذة.
ألم تسمع الصحابي يقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم "و يكون الذي أخذت من أموالنا أحب إلينا مما أبقيت".

و هل رأيت أبدا مريضا يذهب إلى الطبيب ليصف له العلاج الذي يهواه المريض، إن المريض لابد له من الدواء المناسب لعلته، والطبيب يعطي المريض بحسب حالته لا بحسب رغبته، فأوصيك بدواء الصبر و مفارقة أصدقاء السوء و مواصلة الطاعات، و عدم الجري وراء الخواطر و الأمنيات فقد نهينا عن ركوب بحر التمني إلا في الشهادة في سبيل الله.

و أذكرك بأن النار قد حفت بالشهوات و أن الجنة قد حفت بالمكاره، و عليك بالصبر "يأيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون"

محمد نصر
15- ربيع الآخر – 1431
31- مارس - 2010

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

اللهم ارزقنا قلبا سليما نقابلك به يوم القيامة و ترضى عنه و عنا و تتقبلنا برحمتك و فضلك