جهادنا المالي فريضة الوقت بقلم د. جمال عبد الستار


جهادنا المالي فريضة الوقت
بقلم د. جمال عبد الستار الأستاذ بجامعة الأزهر
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فإن الله تعالى أوجب الجهاد على عباده فقال سبحانه : وجاهدوا في الله حق جهاده
وبين الله ثواب المجاهدين فقال سبحانه: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا0
وقد تنوعت صور الجهاد وأشكاله ومن أبرزها القتال وجهاد النفس والجهاد المالي وغير ذلك من أنواع الجهاد المختلفة 0
والجهاد المالي مقدمة كل الأنواع ومفتاح كل الأشكال ، وما ذالك إلا لعظم تأثيره وصعوبته على النفوس0
وإن ما يفتحه الله لنا من أبواب للإنفاق ، وما نرزق به من تكاليف مالية ، إنما هو عين الجهاد الذي أوجبه الله على عباده ، لذا كانت المسارعة إلى الإنفاق فيه سمت الصالحين  ودأب المخلصين ودلالة على صدق السالكين ، ،ومما يعين على أداء هذا الواجب أن أذكر نفسي وإخواني بما يلي :
ـ إذا لم يجب على المسلم  الإنفاق للعمل على إقامة شرع الله  المغيب ليحكم حياة المسلمين ،ويعود القرأن دستورا ترجع اليه الأمة في عظيم امورها وصغيره  فمتى سيجب عليه ؟
وإذا لم ينفق المسلم ليقاوم حملات التنصير المستعرة ، والتى تعمل علانية ليل نهار وتنفق الملايين من الدولارات لتحقيق هدفها الخبيث فمتى سيجب عليه الإنفاق
إذا لم يجب الجهاد المالي  لرفع الحصار عن المحاصرين من المسلمين أطفالا ونساء وشيوخا ومرضى  وفقراء فمتى سيجب؟!!
إذا لم يجب الجهاد المالي للعمل على إعادة المقدسات واستنقاذ المسجد الأقصى من  براثن اليهود، وإيقاف مخططاتهم لهدمه وهو قبلة المسلمين الأولى ومسرى نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم فمتى سيجب ؟!!
إذا لم يجب الجهاد المالي لدفع الظلم عن المظلومين ومقاومة المفسدين الذين أفسدوا على الناس دينهم وأخلاقهم وعلمهم واقتصادهم وصحتهم فمتى سيجب ؟
إذا لم يجب الجهاد لإعادة البلاد المغتصبة وإقامة الخلافة الراشدة وإعلاء كلمة الله في الأرض ، ويكون الدين كله لله فمتى اذن سيجب ؟!
           ما ينفقه الإنسان قليل مهما عظم شأنه
وأذكر نفسي واخواني  بأن المسلم مهما أنفق ومهما بذل فإنفاقه وبذله قليل بجوار مايلي :
بجوار عظيم الثواب في الآخرة وجنة الله  ورحمته التي أعدها الله للمحسنين  قال تعالى :
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) [آل عمران : 133 ، 134]
قليل بجوار ما يدفعه الله عنا من بلاء ومحن ومصائب وكوارث وأمراض ويكفي هنا أن نذكر بما جاء في الأثر: صدقة السر تطفىء غضب الرب وتقى مصارع السوء0
وبما جاء في الحديث : الصدقة تسد سبعين بابا من الشر 0 أخرجه ابن المبارك في البر
قليل بجوار الذين يضحون بأغلى من الأموال ، قليل بجوار الذين يضحون بأنفسهم وأولادهم وأموالهم وأعمالهم وحرياتهم  وأوقاتهم وكل مايملكون ، ويكفى أن تقرأ ماقالته المجاهدة الفلسطينية لما أخبروها باستشهاد مجموعة من أبناءها حيث رفعت طرفها إلى السماء وقالت : اللهم خذ من أبناءنا حتى ترضى!!!!
وهذا الصديق أنفق كل ماله ، والفاروق أنفق نصف ماله ، وذو النورين جهز جيوشا بماله  فمإذا عساك أن تقدم بجوارهم  ؟وماذا عساك أن تقول عند ملاقاتهم ؟!!!
قليل حين تعلم أن الواجب عليك الأن أن تبذل  نفسك رخيصة في سبيل الله ، فقُبل منك أن تفتديها بالقليل من المال ،فما تراه يكفي من المال لتأخذ أجر المجاهدين وتفتدي نفسك إلى ان يشاء الله0
قليل بجوار ما ننفقه على طعامنا وشرابنا ولباسنا وسياراتنا وترفنا0
وقد كان الصحابة يزون أبا الدرداء فلا يجدون في بيته شيئا من الفرش ولا المتاع ولا الزينة فيسألونه وزجته أين متاعكم ؟؟ فيقولان : إن لنا بيتا أخر(القبر ) كلما جاءنا شيء حسن وضعناه فيه وإن صاحب هذا البيت لن يتركنا نقيم فيه ،ولكنه آذننا بالرحيل0
قليل بجوار ماينفقه الأعداء ليصدوا عن سبيل الله وينشروا الفساد في الأرض ،قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ0
                        استفهام وتعجب
لماذا يسهل على الإنسان أن يدفع أموالا ضخمة بسخاء نفس في شراء عقار أو أرض سيتركها حتما ،وستصير إلى غيره يقينا ، ولن يتمتع بها إلا  قليلا ؟ في الوقت الذي يصعب عليه أن يشتري بأقل من ذلك قصورا في الجنة لا تزول ولا تحول ولا يخطر مثلها على قلب بشر0
كما سهل على أبي الدحداح أن يقرض ربه حديقته الغناء فكانت البشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَمْ مِنْ عَذْقٍ ردَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَهَا مِرَارًا0 (اخرجه مسلم)
لماذا يسهل على الإنسان أن يدفع أموالا ضخمة في الأدوية وعلاج الأمراض ودفع المصائب ، وإصلاح السيارات ، ومخالفات المرور ، وكوارث الحوادث ،وغير ذلك من الابتلاءات ! في الوقت الذي يصعب عليه أن يدفع أقل من ذلك بقليل للوقاية من كل هذا، كما جاء في الأثر : حصنوا أموالكم بالزكاة0
وهي سنة الله في عباده كما يقول ابن عطاء : من لم يدخل إلى الله بفيوضات الإحسان ساقه إليه بسلاسل الأمتحان0
لذا كان دأب الصالحين إذا جاءهم سائل أن يبشوا في وجهه ويرحبوا به ويقولون له : مرحبا بمن أتى يحمل عني ذنوبي0
لماذا يبذل الإنسان مال ضخما في تدفئة أبناءه في برد الشتاء وحمايتهم من حر الصيف في الوقت الذي يتكاسل فيه عن شراء مظلات لهم تقيهم من لهب الحشر وهول انتظار العرض قال صلى الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِيءُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ".
وفي رواية أخرى : كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس0
                 إضاءات :
ـ إن أعظم تأمين لمستقبلك أن يكون لك عند الله ما ينفعك 0
ـ إن أعظم تأمين لمستقبل أولادك أن يكون لك عند الله ماينفعهم ( وكان أبوهما صالحا)
إن الدعوة ستنتصر بك أوبغيرك ، أما أنت فلن تنجو بغيرها فاختر لنفسك طريقا
لم ينفق أحد لله فيعرضه الله تعالى للحاجة ولا للفقر و لا للعوذ ،ولكنه تكفل سبحانه بالزيادة والبركة والسعة 0قال تعالى (وما تنفقوا من شىء فهو يخلفه )
وفي الحديث القدسي قال الله تبارك وتعالى :يا ابن آدم أنفق أنفق عليك »
فادخل اخي الحبيب من فيوضات الاحسان قبل أن تـأتي سلاسل الامتحان
أنفق من مالك قبل أن لا يكون مالك قال تعالى : وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إذا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)
      وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى       
د جمال عبد الستار الأستاذ بجامعة الأزهر
 

3 التعليقات:

حسين العسقلاني يقول...

بارك الله فيكم أستاذنا الكريم الدكتور جمال عبد الستار ونفع بكم، ما أحوج الأمة اليوم إلى تفعيل هذا النوع من الجهاد

Unknown يقول...

جزيت خيراً شيخنا

Unknown يقول...

جزيت خيراً شيخنا