أجمل مقابلة في العمر بقلم م. علي السيار

أجمل مقابلة في العمر بقلم م. علي السيار
م. علي السيار
قال لى صاحبى :
قالت لى زوجتى: علي غير عادتك اصبحت تنزل قبل آذان العشاء !!هل ستقابل أحدا مهما ؟
الآهه ...خرجت دفينة مكتومة , فقد نزلت الكلمة كالصاعقة علي ,
حادة حارقة كاللهب ..مرة لاذعة كالحنظل... نزلت دمعة وحيدة حائرة تتدحرج علي مياة الوضوء المتناثرة على لحيتى...
الآهه بدأت تسحب روحى إلى هوة سحيقة كأن ابنى مات..
قلت لها نعم سأقابل واحد مهم ...بل الأهم..
طالما كنت أقابله طوال حياتى..طالما انتظرنى , وكان يطول انتظاره..
طالما تأخرت عليه و كنت ظلوما جهولا.. كم انتظرنى , وكم سامحنى , وكم عفى عنى , وكم انشغلت عنه..
قالت لى لما تتأخر عليه؟ بدأت دموعها تنزل بغزارة..
لما و أنت قدوتنا..
لما و أنا آراك تحافظ على كل مواعيد البشر بالثانية..
كم ظلمتنا يا رجل!
كم تأخرت حوائجنا بسببك؟
كم انقطعت بنا السبل بسببك؟
كم تخطفتنا عوادى الزمن بسبب التأخير عن الصلاة؟
يا رجلا كنا نعول عليه أن يربينا على احترام تكبيرة الإحترام ..كما كنا في بداية حياتنا.... كانت تلبس ملابس الخروج لتصلى معنا :
نزلنا دون كلمة كل منا شارد يخطو إلى المقابلة بشعور مختلف...
المسجد الواسع الكبير.. كانت الأضواء الخافتة ترسل صوصوة الأنس إلى قلبى المكلوم الشريد..حفيف أوراق شجر حديقته كان يزفنا و يرحب بقدومنا كعروسين من جديد..
العامل كان يفتح الباب الكبير الواسع ببطء..
مع كل انفراجه كانت لحظات الطاعة تنشر عبيرها و تنفذ الى مسام جسدى المجروح فتداويه..
انزوى العامل جانبا..تلاشى ,
ما أجمل أن تكون أول من يدحل لمقابلة اللـــه..
دلفت إلى المحراب البعيد ,كان ساكنا وقورا, نحوه بخطوات قدسية كنت قد نسيتها أحسست به يضمني عندما رفعت يدى أنوى ركعتين تحية المسجد كنت قد انتقلت إلى آفاق علوية راحبة من الجمال و المتعة..
لما انتهيت تناولت المصحف فضممته إلى صدرى و لم أتقيد بوردى فتحت سورة المؤمنون..
كنت لا أشعر برواد المسجد الاوائل الذين كانوا يتوافدون فراداى و زرفانا بحب عميق وعيون تبرق رضا و سكينة ..
رفع الآذان..الصوت الذى كان يقلد صوت مؤذن الحرم النبوي أجج مشاعرى من جديد حملنى ثانية إلى القدسية و البهاء , رحلت إلى مسجد الحبيب..
اسعد لحظة فى حياتى كانت قبيل الفجر فى مسجد الرسول عندما تدخل من الباب المطل على قبر حضرة النبى و الناس يتوافدون ويتسابقون بفرحة غامرة إلى الروضة الشريفه فرحة لا تعادلها فرحة
بل رحلت إلى ما هو أبعد عندما قال الرسول لأصحابه دعوها فإنها مأمورة, نعم و الله تم اختيار هذا المكان و هذا المسجد بأمر مباشر من الله لناقة سيدنا محمد,و تم اختيار المسجد الحرام بأمر لسيدنا ابراهيم و تم اختيار المسجد الأقصى بأمر مباشر لسيدنا داوود,
ربنا الكريم مالك الملك صاحب الملكوت و الجبروت رحمن الدنيا و الآخره الكبير المتعال يتدخل بنفسه لإختيار المساجد التى يشد إليها الرحال ثم أوكل الأمر لولاة المسلمين و علماء المسلمين و أهل الخير من المسلمين لبناء المساجد الآخرى حيث قال الحبيب محمد( من بني بيتا لله يبتغي به وجه بني الله له بيتا في الجنة)
المسجد أول شيء فعله الرسول حينما اراد أن يؤسس دولة الحب والخيروالسلام ..
وبلغت عظمة الاسلام من إهتمام سيدنا عمر بن عبد العزيز المحدث الفقيه الورع عندما كان واليا علي المدينة المنورة قبل الخلافة بنظافة المسجد وترتيبة وعمارته علي أفضل مايكون .عمر الذي اصلح إعوجاج جيلين بإخلاص عامين..
المسجد مكان التربية الاول والمحضن التربوي الأسمي
ولما كانت العملية التربوية ببساطة عبارة عن : ان تتعود علي فعل معين لفترة زمنية معينة حتي يكون الفعل طبيعة مركوزة فيك ..فقد ربي الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم أصحابه علي المسجد..انظر الي هذه الصورة التربوية المشرقة
:قال صلى الله عليه وسلم : (( مَن صلَّى لله أربعين يوماً في جماعة ، يدرك التكبيرة الأولى ، كُتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق . [ رواه الترمذي وحسَّنه الألباني
هنا عمل معين لمدة معينة مستمرة لابد ان يترك اثرا في النفس
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : (( أتاني الليلة آتٍ من ربي . قال : يا محمد ! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : نعم ؛ في الكفّارات والدرجات ، ونقل الأقدام للجماعات ، وإسباغ الوضوء في السَّبَرات ، وانتظار الصلاة ، ومَن حافظ عليهن عاش بخير ، ومات بخير ، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه.).أحمد ))
كانوا يعزون انفسهم ثلاثة ايام إن فاتتهم تكبيرة الأحرام
وكانوا يستقبلون العزاء سبعة أيام إن فاتتهم صلاة الجماعة .هذا حالهم فكيف فيمن كانت تفوته الصلاة قالوا اغسلو ايديكم منه يعني ليس فيه فائدة..
ولا عجب أن تسمع أن احدهم لم تفوته تكبيرة الاحرام منذ اربعين عاما او صلاة الجماعة منذ خمسين عاما
عن عبدالله ابن مسعود قال: " ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها يعني صلاة الجماعة إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يأتي يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف )
ذكر لنا شيخنا الشيخ عطية محمد سالم انه اصاب المدينة بعد وفاة الرسول عاصفة وانواء شديدة واظلمت الدنيا وكان المطر يعصف بكل شيء والبرد يشل الحياة فكان ابن مسعود يخرج يصلي في مسجد الرسول وحده وكان يقول والله كنت اسمع المؤذن ولا اعرفه وأحس بمن يصلي بجواري ولا اعرفه ...
نعم سيادة الصحابي الجليل لقد انتقلت بعملك القوي هذا من صفوفنا الي صفوف الملائكة من عالمنا الي عالم علوي مؤنس حبيب لطيف فأنت لذلك أهل ..
لقد كان المسجد في حياتهم كل شيء ..
1- الصلاة والذكر ودروس العلم وممارسة الايمان ولقاء الاحبة وتفقد احوالهم ..فهم لا يحتاجون فقرة تفقد الاحوال ..
2- المريض كانوا يذهبوا به للمسجد فيجد الراحة والدواء والسلوي واسألوا سيدنا سعد الذي أهتز عرش الرحمن لموته وجرحي احد وغيرهم
3- الاسير كان يجلس في المسجد وياتي له النبي بالطعام بيديه ويري ما عليه الرسول واصحابه من ايمان وقوة ومضاء وتراحم وتحاب فيدخل في دين الله ..
4- حتي من أفشي سر الرسول في الغزوة يعني افشي سر عسكري رجع فربط نفسه في سارية المسجد ..
5- الضيوف كانو يحطون رحالهم في المسجد فيجدون الخدمة والضيافة
6- المسافرون الآيبون كانت محطة وصولهم هي المسجد قبل أن يعودا للبيت حتي يستعد لهم الأهل وحتي يسترويحون في المسجد فيحملون معهم مسحة من نور الايمان بعد معانقة المحراب
7- الجيش المسلم كان توضع له الخطة من المسجد حيث يعلو الايمان وعين الله ناظرة وحارسة فينتقلون من نصر الي نصر وليس كاليوم توضع الخطط بين كؤوس الخمر وعلي اصوات الغانيات تحت عين الشيطان فيذهبوا بنا من هزيمة تلو اختها
8- الذين ضاقت بهم الحياة وفتك بهم الكرب واعياهم الجوع واقلقهم الفقر كانوا يرحلون الي المسجد يشكون همومهم الي الله ويناجونه بحوائجهم ويتنعمون بالمكوث بين يديه فيفتح عليهم من فيوضاته ورحماته إنه هو البر الرحيم..
9- حتي الحبشة كانوا يلعبون في المسجد )
يقول الاستاذ الراشد في كتاب الرقائق المسجد كالنهر.
كما ان النهر يحمل الخير للارض فالمسجد يحمل الخير للناس..
قلت لنفسي لماذا هناك فجوة بيني وبين المسجد ..
لماذا لا تكون مواعيدي محسوبة حسب مواقيت صلاتي لماذا لايكون هدفي هو ان اشهد الاذان في المسجد وليس تكبيرة الاحرام
لماذا لا اجد في نفسي القدرة علي قول لا ...
تلك الكلمة البسيطة التي يدندن حولها المدربون والمشتغلون بالتنمية البشرية.. لا
لا للدردشة مع زميل قبل الاذان
لا لاستقبال الضيوف قبل الاذان
لا للاكل او النوم قبل الاذان
لا لفتح التلفاز او النت قبل الاذان
لا للموعيد اثناء الصلاة..
حكي لي شيخي عن الشيخ ابن باز رحمه الله انه كان متعبا أحد الليالي وتاخر عن صلاة الفجر ولم ينتبه فايقظوه قال لهم انها أول مرة تفوتني صلاة الفجر..
حق لك يا عالم ان تحفظ أحاديث رسول الله وحق لك ان تفهم الشريعة وان يسمع بك القاصي والداني .. رحمك الله

يحكي أحد الزملاء انه ذهب للاستاذ مصطفي مشهور رحمه الله كان الموعد بعد المغرب مباشرة لكنه صلي المغرب جوار بيته وتتطيب ولبس احسن الثياب لمقابلة ذلك الرجل الرباني الذي اذاق اليهود في فلسطين الويل وسحق الانجليز في القنال وقاد الدعوة بكل قوة وايمان..
اعتذر الاستاذ بأدب قال له يابني لقد تأخرت علي وان ركبنا ستضيع صلاة العشاء وضرب له موعدا أخر ..لذا حق عليه عندما يدخل غيبوبة المرض ويفق منها ويسمع الآذان يقول لهم انزلوني للصلاة فيغشي عليه في المسجد بعد الصلاة ليدخل غيبوبة الموت ...
هكذا تلقاها تلميذ بن مسعود..
قادم الي المسجد رغم عاصفة مدينة جسده وامطارها ورعدها وبرقها وزمهريرها..
قاوم المرض وذهب ليسجد لله في مسجده سجدة رفعته الي السماء وعلت بروحه الطاهرة الي بارئها
هذ الفاروق عمر عندما طعنه المجوسي وفاق قال قولته المشهوره لاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة
نعم رغم الام الجراح ورغم حشرجة النفس ورغم غزارة النزيف فانت ياعمر قوي قوي الي اخر نفس..
قال أحد اليهود سينتصر المسلمون علينا عندما يكونوا في صلاة الفجركما هم في صلاة الجمعة ...
هكذا قدم العدو الحل
من اروع الاقتراحات العملية التي كان يقوم بها الزملاء عمل عمرة فيما بينهم لمن يواظب علي الصلاة اربعين يوما والمفاجأة في كل مرة تجد عدد قد حاز السبق
وبعضهم كانوا يذهبون للمساجد للاعتكاف بين المغرب والعشاء
ومنهم من ينضم لجمعية خيرية او يشارك في اعمال المسجد حتي يرتبط بالصلاة
اخي الحبيب من أدمن قرع الباب يوشك ان يفتح له
هيا الي تكبيرة الاحرام من جديد فهي اسعد لحظات العمر ...
أجمل مقابلة في العمر بقلم م. علي السيار

1 التعليقات:

حسين العسقلاني Hussein alaskalany يقول...

بارك الله فيكم يا حاج علي ورزقنا تكبيرة الإحرام وعلو الهمة.. اللهم آمين